محاكمة الرئيس السابق مبارك، ومن قبلها محاكمة العادلى ومساعديه، أثبتت أننا فاشلون فى العمل الجماعى بامتياز مع مرتبة الشرف! عدم التنسيق بين هيئة الدفاع عن المتهمين الذى بلغ ذروته يوم محاكمة العادلى ورفاقه، وبعدها الطلبات الرهيبة المكررة فى محاكمة الرئيس المخلوع التى كانت فوق طاقة وإمكانية وتركيز أى إنسان، مما جعل رئيس المحكمة المستشار الصبور، طويل البال، المحترم، أحمد رفعت يطالبهم بمراعاة أن هناك أكثر من مائة طلب أمامه، وهى طلبات فوق طاقة البشر الذى يريد إقامة العدل وإرضاء ضميره بين يدى الله سبحانه، كل هذه الملابسات تجعلنى أتساءل هل فشل التنسيق القانونى أو على الأقل ضعفه يوجه نظرنا إلى قضية أكبر وأكثر أهمية، خاصة ونحن مقبلون على مرحلة مفصلية فى حياتنا السياسية، وهى قضية العمل الجماعى فى مصر، هل نجاح العمل الجماعى قد حققته فقط مجموعات الشباب فى 25 يناير عن طريق الفيس بوك، ومن قبلها فى اقتحام خط بارليف ثم ودعناه ودفنّاه إلى الأبد؟! لابد أن نواجه أنفسنا ونجيب عن هذا السؤال ونجد الحل لهذه المعضلة التى قد تشل قدرتنا على التقدم.

المجتمع مثل الأوركسترا الموسيقى الذى يعزف سيمفونية، من الممكن أن يجتمع فيه موهوبو العالم فى العزف، كل منهم فذ وعبقرى فى فهم إمكانيات آلته الموسيقية وترويضها، لكن لكى تخرج المعزوفة مبهرة وجميلة لابد من توافر الهارمونى، الانسجام، التوافق، الإيقاع، التفاهم، لابد من تواجد كل هذه المقومات تحت قيادة وسيطرة المايسترو، وبإرشاد بوصلة النوتة الموسيقية.

للأسف مجتمعنا دون نوتة، ودون مايسترو !! لدينا طاقات ومواهب ولكن النغمة نشاز، فما يحدث لدينا مثله مثل الأصوات التى تصدر عن الآلات الموسيقية قبل بداية السيمفونية التى يجربون فيها الأصوات والتجهيزات، حينها تحس صالة الأوبرا وجمهورها أنهم يسمعون ضجيجاً أو زيطة، رغم أن الآلات هى نفس الآلات التى ستعزف بعد قليل أجمل الألحان وأشجى النغمات.

جرب أن تعقد اجتماعاً لمجلس إدارة ملاك إحدى العمارات التى يقطنها كبار القوم وكريمة المجتمع، ستجدهم لا يتفقون على شىء حتى ولو على إصلاح أسانسير! جرب أن تدخل عمارة فى وسط البلد بها كبار المحامين والأطباء، ستجد الشقق خمس نجوم والمناور صفيحة زبالة ومقبرة عشوائيات، بها كل ما لذ وطاب من قمامة وعفن هذه الشقق الفاخرة، جرب أن تحضر مجلس آباء مدرسة خاصة يتعلم فيها أبناء الارستقراطية ويدفعون مئات الآلاف فى تعليم أطفالهم، ستندهش وأنت ترى خناقاً لا حواراً ومشاجرة لا مناقشة، ولن يخرج أحد من أى اجتماع بأى شىء، شاهد أى لعبة جماعية مصرية ستجد تنافراً وأنانية وفردية ونشازاً، ولذلك لن تخرج من مجتمع بهذا الشكل شركة مثل جوجل أو ميكروسوفت أو ياهو مثلاً، لأنها قائمة على سماع اقتراحات الجميع وإبداعاتهم وخلطها وتصفيتها وفلترتها، لكى تخرج بعدها برامج مبهرة فى منتهى الانضباط والجودة، لأن الهارمونى فى هذه الشركات كان موجوداً والانخراط فى الجماعية كان متوافراً.

نحلم لمجتمعنا أن يكون أوركسترا على مسرح أوبرا وليس فرقة زار فى مولد.